الجمعة، 22 مايو 2009

"مؤسسة الفكر العربي" تُشخِّص أمراضنا بمنظار دقيق

http://www.alwatan.com.sa/news/WriterSave.asp?issueno=2969&id=8213


شاكر النابلسي
-1-
منذ أن بدأت فعاليات "مؤسسة الفكر العربي"، قبل سنوات، وهذه المؤسسة الثقافية تقوم بتشخيص الأمراض الثقافية العربية، بمنظار علمي دقيق. وقد تصدت في السنوات الماضية لعدة قضايا حيوية في حياتنا الثقافية، وحلّلت هذه القضايا، ودعت إلى معالجتها من قبل العلماء والخبراء في العالم العربي والغربي. فعقدت مؤتمراتها السنوية، كان آخرها المؤتمر الحالي (فكر7) في القاهرة، الذي ينعقد حول محور مهم، وهو "ثقافة التنمية". وإضافة لهذه المؤتمرات تعقد "مؤسسة الفكر العربي" في كل عام ملتقى ومنتدى، يدوران حول محاور ثقافية مهمة كالتعليم والترجمة، وعلاقتهما بالتنمية الثقافية العربية.
وفي السنوات الأخيرة، قررت "مؤسسة الفكر العربي"، تخصيص جوائز للإبداع العربي في المجالات العلمية، والثقافية، والإعلامية، والفنية، وغيرها من مجالات الإبداع العربي.

-2-

من الملاحظ أن "مؤسسة الفكر العربي" تركِّز في مؤتمراتها ومنتدياتها وملتقياتها على التعليم بالدرجة الأولى. وهذا المحور من أكثر مشكلات العرب الآن تعقيداً، وإلحاحاً على المعالجة. فالتعليم له علاقة وثيقة بالتنمية، التي تعقد "مؤسسة الفكر العربي" مؤتمرها (فكر7) الآن في القاهرة.
إن محاولات ربط "مؤسسة الفكر العربي" عجلة التربية والتعليم بعجلة التنمية الوطنية، والحثِّ على أن تكون مخرجات التعليم هي ما تحتاجه سوق العمل العربية، سوف يساعدان رجال الأعمال بالضرورة على توسيع نشاطهم التجاري، وتكوين كفاءات عربية قادرة على إدارة السوق العربية بكفاءة واقتدار، مما سوف يزيد من نشاط هذه الأسواق، ويوسّع من خدماتها للجمهور، ويضفي على الاقتصاد العربي الازدهار.
كذلك، فإن سعي "مؤسسة الفكر العربي" لإقامة جسر فكري وثقافي ممتد بين الشرق والغرب، وجمع هذا الكم الكبير من المفكرين والمثقفين العرب والغربيين ببعضهم بعضاً على موائد النقاش، والبحث، والتواصل، والتلاقح الثقافي، من شأنه أن يخفف من حدة التوتر السياسي والعسكري والاجتماعي والثقافي القائم بين الشرق والغرب، وإحلال التفاهم والسلام، بدل إمكانات الصراع والصدام، مما يهدد المستقبل التجاري للأسواق العربية.
-3-
إن محاولات "مؤسسة الفكر العربي" دعم وتشجيع المواهب العربية من الشباب العربي ورصد الجوائز(جائزة الإبداع العربي مثالاً) القيمة (ومقدارها 50 ألف دولار) للمبدعين في كافة المجالات التعليمية، والتقنية، والعلمية، والاقتصادية، والأدبية، من شأنه أن يُشكّل لنا جيلاً مبدعاً من الشباب، يتحمل مسؤولية النهوض بالاقتصاد العربي، وبالتالي دفع الأسواق العربية إلى مزيد من النشاط والازدهار. وقد حرصت "مؤسسة الفكر العربي" على ربط جائزة الإبداع هذه بمدى مساهمتها في التنمية. كما حرصت على تفضيل العمل الإبداعي الموظَف في خدمة أغراض التنمية. والتنمية هي الطريق إلى سوق ناشطة ومزدهرة. وبدون تنمية مستدامة تموت الأسواق، وتكسد المنتجات، ويصبح رجال الأعمال بلا أعمال.
ولا ننسى محاولات "مؤسسة الفكر العربي" ابتكار حل لمشاكل اجتماعية قائمة، باستغلال القدرات القائمة، عن طريق تشجيع الإبداع العربي، كما قال خالد الفيصل، في كلمته أمام ممثلي الإعلام العربي في عمان في أبريل 2007، وتأكيده على أن "مؤسسة الفكر العربي تسعى للحد من هجرة العقول العربية إلى الخارج، وحث رجال الأعمال على استثمار أموالهم في دعم العقل العربي وتشجيع الإبداع، يصب كله في منفعة المجتمعات العربية التي يشكل جزءاً مهماً منها رجال الأعمال.
-4-

في كل مؤتمر من مؤتمرات "مؤسسة الفكر العربي" الستة الماضية هناك الجديد من الخطوات التي تخطوها هذه المؤسسة نحو مزيد من العطاءات الثقافية في شتى الميادين. وفي مؤتمر (فكر7) سوف تصدر "مؤسسة الفكر العربي" تقريرها الأول عن التنمية الثقافية في العالم العربي، والذي شارك في رعايته المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا، ومركز الخليج للأبحاث. وهذا التقرير يقع في أكثر من 700 صفحة. وهو أول تقرير سنوي تصدره مؤسسة عربية بتمويل عربي، حول مقومات التنمية الثقافية في 22 دولة عربية. ويشتمل هذا التقرير الأول على خمسة ملفات أساسية هي: التعليم العالي في البلدان العربية، والإعلام العربي في تجلياته المقروءة والفضائية والإلكترونية، وحركة التأليف والنشر في 18 دولة عربية، والإبداع العربي في 2007 (الإبداع الشعري والسردي، السينما، المسرح، الدراما، الموسيقى والغناء)، والحصاد الثقافي السنوي في العالم العربي، ويعالج أهم قضايا الفكر والثقافة التي شغلت العالم العربي في سنة 2007 ومدى ما أحدثته من حراك ثقافي من خلال المؤتمرات والمنتديات التي شهدتها الدول العربية". ومن خلال القراءة الأولى لهذا التقرير، يتبين لنا، أن التقرير تبنى في معالجته لهذه القضايا والموضوعات منهجاً يعتمد على الوصف والتشخيص للواقع الثقافي العربي، معتمداً على وسائل الاستقراء، والإحصاء، والتحليل، بعيداً عن الخطاب الأيديولوجي. فالتقرير لا ينطلق من رؤية أيديولوجية معينة، ولكنه يسعى إلى رصد مظاهر الحراك الثقافي العربي. وفي جملة واحدة فهو تقرير ينشغل بأدوات الثقافة وليس بالخطاب الثقافي، كما قال الأمين العام لمؤسسة الفكر العربي.
والتقرير، يحمل لنا أرقاماً مخزية حقاً، كما هو الحال في تقارير التنمية البشرية التي تصدر سنوياً عن الأمم المتحدة، وكما هو الحال في تقرير البنك الدولي الذي أصدر في عام 2007 تقريره عن التعليم العربي، قال ما ملخصه، إن مستوى التعليم في العالم العربي عامة متدنٍ، وإن مستوى مخرجات هذا التعليم لا تسرُّ في مستواها العلمي لا الصديق ولا العدو. وإن مستوى التعليم في العالم العربي متخلفٌ بالمقارنة بالمناطق الأخرى في العالم، ويحتاج إلى إصلاحات عاجلة، لمواجهة مشكلة البطالة وغيرها من التحديات الاقتصادية الناتجة عن تدني مستوى التعليم.
أما تقرير "مؤسسة الفكر العربي" فهو يزودنا بحقائق وأرقام محددة، تزيد من ألمنا وحسرتنا على أنفسنا، فيقول مُشخِّصاً أمراضنا التعليمية، إن معدل الالتحاق بالتعليم في الدول العربية لا يتجاوز 21.8%، بينما يصل في كوريا الجنوبية إلى 91% وأستراليا 72% وإسرائيل 85%. ويبلغ أعلى معدل لالتحاق الإناث بالتعليم في الإمارات 76%، والبحرين 68%، ولبنان 62%، بينما في مصر 45%، والسعودية 49%، اليمن 25%. وفي مجال التأليف والنشر، تضمن التقرير تحليلاً، استند إلى قاعدة بيانات ضخمة، قام بإعدادها فريق بحثي عن إجمالي الكتب التي نُشرت في العالم العربي، في عام 2007، وبلغت 27809 كتب، ولا تمثل الكتب المنشورة في العلوم والمعارف المختلفة من هذا الرقم سوى 15%، بينما تصل نسبة الكتب المنشورة في الأدب والأديان والإنسانيات إلى 65%. وهناك كتاب يصدر لكل 12 ألف مواطن عربي، بينما هناك كتاب لكل 500 إنجليزي، ولكل 900 ألماني، أي أن معدل القراءة في العالم العربي لا يتجاوز 4% من معدل القراءة في إنجلترا.

-5-

إن قرار التنمية في كافة مجالاتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، قرار سياسي بالدرجة الأولى. وإن لم يكن وراء هذه التقارير المختلفة قرار سياسي يُنفِّذ ما جاء فيها، فستظل هذه التقارير حبراً على ورق، وسنظل نتخبط في أزمات لا حدود لها، ولا نملك نحوها غير الألم والحسرة. ومن خلال ذلك رأت "مؤسسة الفكر العربي" مشاركة السياسيين (أصحاب قرار التنمية) في مختلف فعالياتها، ودعت رؤساء الدول العربية إلى رعاية هذه الفعاليات، علَّ قرارات هذه الفعاليات ونتائجها تتُرجم إلى قرارات سياسية على أرض الواقع، لكي تتحقق الفائدة المرجوة منها.

* كاتب أردني

0 التعليقات:

إرسال تعليق